الخلافة العباسية
لدولة العباسية أو الخلافة العباسية أو العباسيون هو
الاسم الذي يُطلق على ثالث خلافة إسلامية في التاريخ، وثاني السلالات
الحاكمة الإسلامية. استطاع العباسيون أن يزيحوا بني أمية من دربهم
ويستفردوا بالخلافة، وقد قضوا على تلك السلالة الحاكمة وطاردوا أبنائها حتى
قضوا على أغلبهم ولم ينج منهم إلا من لجأ إلى الأندلس، وكان من ضمنهم عبد
الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، فاستولى على شبه
الجزيرة الأيبيرية، وبقيت في عقبه لسنة 1029م.
تأسست الدولة العباسية على يد المتحدرين من سلالة أصغر أعمام نبي الإسلام
محمد بن عبد الله، ألا وهو العباس بن عبد المطلب، وقد اعتمد العباسيون في
تأسيس دولتهم على الفرس الناقمين على الأمويين لاستبعادهم إياهم من مناصب
الدولة والمراكز الكبرى، واحتفاظ العرب بها، كذلك استمال العباسيون الشيعة
للمساعدة على زعزعة كيان الدولة الأموية. نقل العباسيون عاصمة الدولة، بعد
نجاح ثورتهم، من دمشق العربية الشاميّة، إلى بغداد العراقية الإسلامية،
التي ازدهرت طيلة قرنين من الزمن، وأصبحت إحدى أكبر مدن العالم وأجملها،
وحاضرة العلوم والفنون، لكن نجمها أخذ بالأفول مع بداية غروب شمس الدولة
العباسية ككل. تنوّعت الأسباب التي أدّت لانهيار الدولة العباسية، ومن
أبرزها: بروز حركات شعوبية ودينية مختلفة في هذا العصر، وقد أدّت النزعة
الشعوبية إلى تفضيل الشعوب غير العربية على العرب، وقام جدل طويل بين طرفيّ
النزاع، وانتصر لكل فريق أبناؤه. وإلى جانب الشعوبية السياسية، تكوّنت فرق
دينية متعددة عارضت الحكم العبّاسي. وكان محور الخلاف بين هذه الفرق وبين
الحكام العبّاسيين هو «الخلافة» أو إمامة المسلمين. وكان لكل جماعة منهم
مبادئها الخاصة ونظامها الخاص وشعاراتها وطريقتها في الدعوة إلى هذه
المبادئ الهادفة لتحقيق أهدافها في إقامة الحكم الذي تريد. وجعلت هذه الفرق
الناس طوائف وأحزابًا، وأصبحت المجتمعات العباسيّة ميادين تتصارع فيها
الآراء وتتناقض، فوسّع ذلك من الخلاف السياسي بين مواطني الدولة العبّاسية
وساعد على تصدّع الوحدة العقائدية التي هي أساس الوحدة السياسية.[2] ومن
العوامل الداخلية التي شجعت على انتشار الحركات الانفصالية، إتساع رقعة
الدولة العبّاسية، ذلك أن بعد العاصمة والمسافة بين أجزاء الدولة وصعوبة
المواصلات في ذلك الزمن، جعلا ااة في البلاد النائية يتجاوزون سلطاتهم
ويستقلون بشؤون ولاياتهم دون أن يخشوا الجيوش القادمة من عاصمة الخلافة
لإخماد حركتهم الانفصالية والتي لم تكن تصل إلا بعد فوات الأوان، ومن أبرز
الحركات الانفصالية عن الدولة العباسية: حركة الأدراسة وحركة الأغالبة،
والحركة الفاطمية.
انتهى الحكم العباسي في بغداد سنة 1258م عندما أقدم هولاكو خان التتري على
نهب وحرق المدينة وقتل أغلب سكانها بما فيهم الخليفة وأبنائه. انتقل من بقي
على قيد الحياة من بني العباس إلى القاهرة بعد تدمير بغداد، حيث أقاموا
الخلافة مجددًا في سنة 1261م، وبح هذا الوقت كان الخليفة قد أصبح مجرد
رمز لوحدة الدولة الإسلامية دينيًا، أما في الواقع فإن سلاطين المماليك
المصريين كانوا هم الحكّام الفعليين للدولة. استمرت الخلافة العباسية قائمة
حتى سنة 1519م، عندما اجتاحت الجيوش العثمانية بلاد الشام ومصر وفتحت
مدنها وقلاعها، فتنازل آخر الخلفاء عن لقبه لسلطان آل عثمان، سليم الأول،
فأصبح العثمانيون خلفاء المسلمين، ونقلوا مركز العاصمة من القاهرة إلى
القسطنطينية.
أصيبت الدولة الأموية بالضعف والقنوط إثر وفاة عاشر خلفائها هشام بن عبد
الملك يوم 10 يناير سنة 743م، الموافق فيه 9 ربيع الأول سنة 125هـ وتعاقب
من بعده أربع خلفاء هم ايد بن يزيد الذي قتلته الأسرة الأموية لانشغاله
عن الدولة وأمور السياسة ويزيد بن ايد وإبراهيم القاسم ومروان بن محمد،
وتميزت فتراتهم بانقسام داخلي حاد واستشراء الحروب الداخلية، فضلاً عن
الوضع الاقتصادي المتردي،[3] ما ساهم في تقوية الجماعات والأحزاب الدينية
والحركات السياسية المعارضة لحكمهم والتي كانت منتشرة بشكل أساسي في العراق
وإيران، البعيدة عن حاضرة الخلافة في دمشق.[4] وأبرز تلك الأحزاب التي
عارضت بني أمية الحزب القائل بأحقية سلالة علي بن أبي طالب بالخلافة والحزب
القائل بأحقية سلالة عباس بن عبد المطلب عم النبي محمد بالخلافة.
كان الحزب الأول قد أطلق عدة ثورات خلال الحكم الأموي، أدت إلى مقتل العديد
من مواليه وقادته، فقتل الحسين بن علي عام 680م وقتل زيد بن علي عام 740م
بعد أن ثار في الكوفة. أما الحزب العباسي فقد تطور تطورًا تدريجيًا والتزم
الهدوء طوال عهود القوة الأموية واستغل ضعف الاقتصاد لتفجير ثورته؛ فضلاً
عن ذلك يرى الباحث عبد العزيز الدردوري أن العباسيين قد استغلوا أيضًا
التمييز العنصري والطبقي الذي كان يمارسه الأمويون بين العرب وغير العرب في
الوظائف والضرائب والجيش، فكونوا بذلك قاعدة شعبية عريضة لدى غير العرب
خصوصًا في أوساط فلاحي الريف وعمال المدن الفقراء. وذهب الدردوري وعدد آخر
من الباحثين العرب والمستشرقين لاستخلاص قاعدة مفاهدا بأن الدعوة العباسية
كانت «ثورة دينية واجتماعية واقتصادية» ويراها البعض أيضًا «ثورة الفرس ضد
العرب».[5]